
شهدت السياسة النقدية للبنك المركزي المصري، تحولات خلال الفترة الماضية؛ ففي ذروة دورة التشديد النقدي، قرر البنك في سبتمبر 2022 رفع نسبة الاحتياطي الإلزامي على الودائع في البنوك من 14% إلى 18%، كإجراء استباقي لاحتواء معدلات التضخم المرتفعة آنذاك.
وبحلول الربع الثاني من 2025، بدأ البنك المركزي المصري مسيرة التيسير النقدي، وخفض أسعار الفائدة خلال اجتماعين متتالين بإجمالي 3.25%، تزامنًا مع تراجع تدريجي في معدلات التضخم، واستقرار نسبي في سعر الصرف وتحسن واضح للمؤشرات الاقتصادية.
لكن حاليا، تتباين توقعات الخبراء المصرفيين بشأن نسبة الاحتياطي الإلزامي لدى البنوك والمُقررة حاليًا عند 18%، إذ يرى البعض أن “المركزي المصري” قد يتجه لتقليل النسبة تزامنًا مع توجهه نحو سياسة التيسير النقدي، فيما استبعد ذلك آخرون، مشيرين إلى تحرك البنك بحذر في سياساته النقدية المختلفة.
ويعد “الاحتياطي الإلزامي” إحدى الأدوات التي تلجأ البنوك المركزية استثنائيًا إليها للتحكم في السيولة بالسوق لتحجيم التضخم، إلى جانب دوره الرئيس في استقرار النشاط المصرفي والحفاظ على ودائع العملاء.
كما يمثل الاحتياطي الإلزامي نسبة من الودائع بالعملة المحلية تلتزم البنوك بإيداعها لدى البنك المركزي دون مقابل كإجراء احترازي لاستخدامها حال واجهت سحبًا مفاجئا لودائع العملاء قد يعرضها لخطر الإفلاس.
وتوقع ماجد فهمي الخبير المصرفي، أن يتجه البنك المركزي نحو تخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي لدى البنوك إلى 14% بشكل تدريجي، ضمن خطوة التيسير النقدي التي اتبعها في أبريل الماضي، وشهدت خفض أسعار الفائدة بنحو 2.25%، تماشيًا مع تراجع معدلات التضخم.
وتراجع معدل التضخم العام لإجمالي الجمهورية إلى 14.4% بنهاية يونيو الماضي، مقابل 16.5% في مايو 2025، بحسب بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
قال فهمي، إن نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي البالغة حاليًا 18% تُعد مرتفعة مقارنة بالمتوسطات المعتادة بالسوق، وهو ما يزيد من تكلفة الأموال على البنوك ويحد من قدرتها على التوسع في الإقراض رغم توجه الدولة لدعم معدلات النمو وتشجيع الاستثمار.
واستبعد أن يتم اتخاذ مثل هذا القرار في إطار زمني معين، وإنما يتحدد وفق احتياجات السوق لمزيد من السيولة، كجزء من حزمة إجراءات تستهدف دفع النشاط الاقتصادي.
وجيه : خطوة تكميلية لخفض أسعار الفائدة بشرط استمرار تراجع التضخم
ورجحت شيماء وجيه، الخبيرة المصرفية، خفض “المركزي” معدل الاحتياطي الإلزامي تدريجيًا خلال النصف الثاني من 2025، كخطوة تكميلية لخفض أسعار الفائدة، رهن استمرار تراجع معدلات التضخم ومزيد من استقرار السوق بشكل عام.
وأوضحت أن هذه الخطوة ستمنح مساحة أكبر لضخ سيولة إضافية داخل السوق وتشجيع الإقراض وتحفيز النشاط الاقتصادي، لا سيما تعزيز حجم أعمال القطاع الخاص.
أشارت وجيه، إلى أن تراجع الضغوط على الجنيه واستقرار سعر صرف الدولار ، أسهم في تقليل الحاجة للاستمرار في السياسات الانكماشية القوية.
أبوالخير : المخاوف من عودة الضغوط التضخمية تفرض التأجيل
وقال أحمد أبو الخير، الخبير المصرفي، إن التراجع الملحوظ في معدلات التضخم قد يقود البنك المركزي إلى تخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي، ولكن على المدى البعيد، بهدف السماح للبنوك بالتوسع في الإقراض، ما يعزز ربحيتها وقوة وصلابة القطاع المصرفي.
وتابع: “تأتي تلك التوقعات في ظل توجه المركزي الحالي نحو التيسير النقدي بفضل تحسن المؤشرات الاقتصادية”.
وأوضح أن هذه الخطوة من شأنها تخفيف عبء تكلفة الأموال على البنوك من خلال إعادة إقراض العملاء أرصدة المودعين وتحقيق عوائد منها، كما ينعكس إيجابًا على النشاط الاقتصادي.
وأشار إلى أن البنوك تحتفظ بنسبة الاحتياطي الإلزامي لدى “المركزي” دون فوائد، في حين تحصيلها عوائد على إعادة الإقراض.
وبلغ إجمالي الودائع لدى البنوك إلى 14.15 تريليون جنيه بنهاية فبراير الماضي، منها 2.98 تريليون جنيه ودائع حكومية، وغير حكومية بقيمة 11.17 تريليون جنيه، بحسب النشرة الشهرية للبنك المركزي.
فيما وصل إجمالي أرصدة التسهيلات الائتمانية 8.85 تريليون جنيه بنهاية فبراير 2025، وبلغت أرصدة الإقراض نحو 8.79 تريليون جنيه.
أضاف أبو الخير، أن البنك قد ينتهج تلك الخطوة على المدى البعيد أو تطبيقه بوتيرة حذرة نظرًا لوجود بعض التخوفات من عودة الضغوط التضخمية، خاصةً في ظل استمرار التوترات الجيوسياسية.
حسانين : الخفض مستبعد قبل 2026 والبنك يواصل التيسير النقدي بأسلوب “مُدار”
واستبعد عز الدين حسانين، الخبير المصرفي، أن يخفض البنك المركزي نسبة الاحتياطي الإلزامي للبنوك قبل بداية 2026، موضحا أن انتهاج المركزي سياسة التيسير النقدي، لا تعني تغيير معايير كافة الأدوات النقدية المختلفة في آنٍ واحد.
وأكد أن الجمع بين خفض أسعار الفائدة مع تقليل نسبة الاحتياطي الإلزامي ، ليس الخيار الأنسب حاليًا.
وتابع حسانين: “في ظل ترقب بيانات التضخم وتوقعات ارتفاع الإيجارات القديمة على المواطنين، قد يفضل المركزي التحرك بحذر وعدم التوسع الكامل في التيسير النقدي خلال العام الحالي”.
وأضاف أن التيسير النقدي الذي ينفذه المركزي حالياً يعد “تيسيرًا مدارًا”، مشيرًا إلى أن تخفيض أسعار “الكوريدور” المتبع يتم بشكل تدريجي ومدروس، بما يتماشى مع حركة السوق والمعطيات الاقتصادية المتاحة.